فصل: القسم الأول أن أحد الأقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.القسم الأول أن أحد الأقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيء:

منها عن الأنبياء والأصفياء، عليهم السلام، بما خصهم اللَّه تعالى به من التأييد الإلهي:
روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم «كان قال: «كان سليمان بن داودَ عليهما السلام، إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه، فيسألها ما اسمك؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت»، وقال قوم من اليهود أن اللَّه عز وجل أنزل على موسى عليه السلام سفر الأشفية.
والصابئة تقول أن الشفاء كان يؤخذ من هياكلهم على يد كهانهم وصلحائهم، بعض بالرؤيا وبعض بالإلهام، ومنهم من قال أنه كان يوجد مكتوبًا في الهياكل لا يعلم من كتبه، ومنهم من قال أنها كانت تخرج يد بيضاء مكتوب عليها الطب، ونقل عنهم إن شيت أظهر الطب، وأنه ورثه عن آدم، عليهما الصلاة والسلام، فأما المجوس فإنها تقول أن زرادشت الذي تدعي أنه نبيهم، جاء بكتب علوم أربعة زعموا أنها جلدت باثني عشر ألف جلد جاموس، ألف منها طب، وأما نبط العراق والسورانيون والكلدانيون والكسدانيون وغيرهم من أصناف النبط القدم، فيدّعي لهم أنهم اكتشفوا مبادئ صناعة الطب، وأن هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة كان بينهم ويعرف علومهم، فخرج حينئذ إلى مصر وبث في أهلها العلوم والصنائع، وبنى الأهرام والبرابي ثم انتقل العلم منهم إلى اليونانيين، وقال الأمير أبو الوفاء المبشر بن فانك؛ في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم؛ أن الاسكندر لما تملك مملكة داراً، واحتوى على فارس، أحرق كتب دين المجوسية وعمد إلى كتب النجوم والطب والفلسفة، فنقلها إلى اللسان اليوناني وأنفذها إلى بلاده، وأحرق أصولها، وقال الشيخ أبو سليمان المنطقي قال لي ابن عدي إن الهند لهم علوم جليلة من علوم الفلسفة وأنه وقع إليها أن العلم من ثمَّ وصل إلى اليونانيين، وقال الشيخ أبو سليمان ولست أدري من أين وقع له ذلك، وقال بعض علماء الإسرائيليين أن الذي استخرج صناعة الطب يوقال بن لامخ بن متوشالخ.

.القسم الثاني أن يكون قد حصل لهم شيء منها بالرؤيا الصادقة:

مثل ما حكى جالينوس في كتابه في الفصد، من فصده للعرق الضارب الذي أُمر به، وذلك أنه قال إني أمرت في منامي مرتين بفصد العرق الضارب الذي بين السبابة والإبهام من اليد اليمنى، فلما أصبحت فصدت هذا العرق وتركت الدم يجري إلى أن انقطع من تلقاء نفسه، لأني كذلك أمرت في منامي، فكان ما جرى أقل من رطل، فسكن عني بذلك على المكان وجع كنت أجده قديمًا في الموضع الذي يتصل به الكبد بالحجاب، وكنت في وقت ما عرض لي هذا غلاماً، قال وأعرف إنسانًا بمدينة فرغامس، شفاه اللَّه تعالى من وجع مزمن كان به في جنبه، بفصد العرق الضارب من كفه، والذي دعا ذلك الرجل إلى أن يفعل ذلك رؤيا رآها، وقال في المقالة الرابعة عشرة من كتابه في حيلة البرء قد رأيت لسانًا عظم وانتفخ حتى لم يسعه الفم، وكان الذي أصابه ذلك رجلًا لم يعتد إخراج الدم قط، وكان من أبناء ستين سنة، وكان الوقت الذي رأيته فيه أول مرة الساعة العاشرة من النهار، فرأيت أنه ينبغي لي أن أسهله بهذا الحب الذي قد جرت العادة باستعماله، وهو الحب المتخذ بالصبر والسقمونيا وشحم الحنظل، فسقيته الدواء نحو العشاء، وأشرت عليه أن يضع على العضو العليل بعض الأشياء التي تبرِّد، وقلت له افعل هذا حتى أنظر ما يحدث، فأقدر المداواة على حسبه، ولم يساعدني على ذلك رجل حضره من الأطباء، فبهذا السبب أخذ الرجل ذلك الحب، وتأخر النظر في أمر ما يداوي به العضو نفسه إلى الغد، وكنا نطمع جميعًا أن يكون قد تبين فيه حسن أثر الشيء الذي يداوي به ونجربه عليه، إذ كان فيه يكون البدن قد استفرغ كله، والشيء المنصب إلى العضو قد انحدر إلى أسفل، ففي ليلته رأى في حلمه رؤيا ظاهرة بينة، فحمد مشورتي واتخذ مشورتي مادة في ذلك الدواء، وذلك أنه رأى النائم آمرًا يأمره بأن يمسك فيه عصارة الخس، فاستعمل هذه العصارة كما أمره وبرأ برءًا تاماً، ولم يحتج معها إلى شيء آخر يتداوى به، وقال في شرحه لكتاب الإيمان لأبقراط وعامة الناس يشهدون على أن اللَّه تبارك وتعالى هو الملهم لهم صناعة الطب من الأحلام والرؤيا التي تنقذهم من الأمراض الصعبة، من ذلك أنا نجد خلقًا كثيرًا ممن لا يحصى عددهم أتاهم الشفاء من عند اللَّه تبارك وتعالى، بعضهم على يد سارافس، وبعضهم على يد اسقليبيوس بمدينة أفيداروس ومدينة قو ومدينة فرغامس، وهي مدينتي، وبالجملة فقد يوجد في جميع الهياكل التي لليونانيين وغيرهم من سائر الناس، الشفاء من الأمراض الصعبة التي تأتي بالأحلام وبالرؤيا.
وأريباسيوس يحكي في كناشه الكبير أن رجلًا عرض له في المثانة حجر عظيم، قال وداويته بكل دواء مستصلح لتفتيت الحجر، فلم ينتفع البتة وأشرف على الهلاك، فرأى في النوم كأن إنسانًا أقبل عليه وفي يده طائر صغير الجثة، وقال له أن هذا الطائر اسمه صفراغون، ويكون بمواضع السباحات والآجام، فخذه واحرقه وتناول من رماده حتى تسلم من هذه العلة، فلما انتبه فعل ذلك، فأخرج الحجر من مثانته متفتتًا كالرماد، وبَرَأَ برءًا تاماً، ومما حصل أيضًا من ذلك بالرؤيا الصادقة أن بعض خلفاء المغرب مرض مرضًا طويلاً، وتداوى بمداواة كثيرة فلم ينتفع بها، فلما كان في بعض الليالي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وشكى إليه ما يجده، فقال له صلى الله عليه وسلم ادهن بلا، وكل لا، تبرأ، فلما انتبه من نومه بقي متعجبًا من ذلك ولم يفهم ما معناه، فسأل المعبرين عنه، فكل منهم عجز عن تأويله، ما خلا علي بن أبي طالب القيراوني، فإنه قال يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك أن تدهن بالزيت وتأكل منه فتبرأ، فلما سأله من أين له معرفة ذلك، قال من قول اللَّه عزّ وجلّ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، فلما استعمل ذلك صلح به وبرأ برءًا تاماً، ونقلت من خط علي بن رضوان، في شرحه لكتاب جالينوس في فرق الطب ما هذا نصه قال وقد كان عرض لي منذ سنين صداع مبرح عن امتلاء في عروق الرأس، ففصدت فلم يسكن، وأعدت الفصد مرارًا وهو باق على حاله، فرأيت جالينوس في النوم، وقد أمرني أن أقرأ عليه حيلة البرء، فقرأت عليه منها سبع مقالات فلما بلغت إلى آخر السابعة، قال نسيت ما بك من الصداع؟ وأمرني أن أحجم القمَحْدُوة من الرأس، ثم استيقظت فحجمتها، فبرأت من الصداع على المكان، وقال عبد اللّه بن زهر في كتاب التيسير إنني كنت قد اعتل بصري من قيئ بحراني افرط علي، فعرض لي انتشار في الحدقتين دفعة، فشغل بذلك بالي، فرأيت فيما يرى النائم من كان في حياته يعني بأعمال الطب، فأمرني في النوم بالاكتحال بشراب الورد، وكنت في ذلك الزمان طالبًا قد حذقت، ولم تكن لي حنكة في الصناعة، فأخبرت أبي فنظر في الأمر مليًّا ثم قال لي استعمل ما أمرت به في نومك، فانتفعت به، ثم لم أزل استعمله إلى وقت وضعي هذا الكتاب في تقوية الأبصار، أقول ومثل هذا أيضًا كثير مما يحصل بالرؤيا الصادقة، فإنه قد يعرض أحيانًا لبعض الناس أن يروا في منامهم صفات أدوية ممن يوجدهم أياها، فيكون بها برؤهم، ثم تشتهر المداواة بتلك الأدوية فيما بعد.

.القسم الثالث أن يكون قد حصل لهم شيء منها أيضًا بالاتفاق والمصادفة:

مثل المعرفة التي حصلت لاندروماخس الثاني في إلقائه لحوم الأفاعي في الترياق، والذي نشطه لذلك وأفرد ذهنه لتأليفه، ثلاثة أسباب جرت على غير قصد، وهذا كلامه، قال أما التجربة الأولى، فإنه كان يعمل عندي في بعض ضياعي في الموضع المعروف ببورنوس، حراثون يحرثون الأرض للزرع، وكان بيني وبين الموضع نحو فرسخين، وكنت أبكر إليهم لأنظر ما يعملون، وأرجع إذا فرغوا، وكنت أحمل لهم معي على الدابة التي تحت الغلام زادًا وشرابًا لتطيب أنفسهم، ويتجلدوا على العمل، فما زلت كذلك إلى أن حملت الغداء في بعض الأيام، وكنت قد أخرجت إليهم بستوقة خضراء، وفيها خمر، مطينة الرأس لم تفتح، مع زاد، فلما أكلوا الزاد قدموا البستوقة وفتحوها، فلما أدخل أحدهم يده مع كوز ليغرف منها الشراب وجد فيها أفعى قد تهرأ، فأمسكوا عن الشراب، وقالوا إن هاهنا في هذه القرية رجلًا مجذومًا يتمنى الموت من شدة ما به، فنسقيه من ذلك الشراب ليموت، ويكون لنا في ذلك أجر إذ نريحه من وصبه، فمضوا إليه بزاد وسقوه من ذلك الشراب، متيقنين أنه لا يعيش يومه ذلك، فلما كان قريب الليل انتفخ جسمه نفخًا عظيمًا وبقي إلى الغداة ثم سقط عنه الجلد الخارج، وظهر الجلد الداخل الأحمر، ولم يزل حتى صلب جلده وبرأ وعاش دهرًا طويلًا من غير أن يشكو علة، حتى مات الموت الطبيعي الذي هو فناء الحرارة الغريزية، فهذا دليل على أن لحوم الأفاعي تنفع من الأوصاب الشديدة والأمراض العتيقة في الأبدان.
وأما التجربة الثانية فإن أخي أبولونيوس كان ماسحًا من قبل الملك على الضياع، وكان كثيرًا ما يخرج إليها في الأوقات الوعرة الرديئة في الصيف والشتاء، فخرج ذات يوم إلى بعض القرى على سبعة فراسخ، فنزل يستريح عند أصل شجرة، وكان الزمان شديد الحر، وأنه نام فاجتازته أفعى فنهشته في يده، وكان قد ألقى يده على الأرض من شدة تعبه، فانتبه بفزع وعلم أن الآفة قد لحقته، ولم يكن به على القيام طاقة ليقتل الأفعى، وأخذه الكرب والغشي فكتب وصية وضمنها اسمه ونسبه، وموضع منزله وصفته، وعلق ذلك على الشجرة، كي إذا مات واجتاز به إنسان، ورأى الرقعة يأخذها ويقرأها ويعلم أهله، ثم استسلم للموت، وكان بالقرب منه ماء قد حصل منه فضلة يسيرة، في جوبة في أصل تلك الشجرة التي علق عليها الرقعة، وكان قد غلبه العطش، فشرب من ذلك الماء شربًا كثيرًا فلم يلبث الماء في جوفه حتى سكن ألمه وما كان يجده من ضربة الأفعى ثم برأ فبقي متعجبًا ولم يعلم ما كان في الماء، فقطع عودًا من الشجرة وأقبل يفتش به الماء، لأنه كره أن يفتشه بيده لئلا يكون فيه أيضًا شيء يؤذيه، فوجد فيه أفعيين قد اقتتلا ووقعا جميعًا في الماء وتهرءا، فأقبل أخي إلى منزلنا صحيحًا سالمًا أيام حياته، وترك ذلك العمل الذي كان فيه، واقتصر بملازمتي، وكان هذا أيضًا دليلًا على أن لحوم الأفاعي تنفع من نهش الأفاعي والحيات والسباع الضارية، وأما التجربة الثالثة فإنه كان للملك يبولوس غلام، وكان شريرًا غمازًا خمانًا فيه كل بلاء، وكان كبيرًا عند الملك يحبه لذلك، وكان قد آذى أكثر الناس، فاجتمع الوزراء والقواد والرؤساء على قتله، فلم يتهيأ لهم ذلك لمكانته عند الملك، فاحتال بعضهم وقال اذهبوا فاسحقوا وزن درهمين أفيونًا وأطعموه أياه في طعامه، أو اسقوه في شرابه، فإن الموت السريع يلحق الناس كثيراً، فإذا مات حملتموه إلى الملك، وليس به جراحة ولا قلبه، فدعوه إلى بعض البساتين، فلم يتهيأ لهم أن يفعلوا ذلك في الطعام فسقوه في الشراب، فلم يلبث إلا قليلًا أن مات، فقالوا نتركه في بعض البيوت ونختم عليه، ونوكل الفعلة بباب البيت، حتى نمضي إلى الملك نعلمه أنه قد مات فجأة ليبعث ثقاته ينظرونه، فلما صاروا بأجمعهم إلى الملك نظر الفعلة إلى أفعى قد خرج من بين الحجر، ودخل إلى البيت الذي فيه الغلام، فلم يتهيأ لهم أن يدخلوا خلفه ويقتلوه لأن الباب كان مختومًا فلم يلبثوا إلا ساعة والغلام يصيح بهم لم قفلتم علي الباب؟ أعينوني قد لسعتني أفعى ومد الباب من داخل وأعانه قوَّام البستان من خارج فكسروه فخرج وليس به قُلْبه، وكان هذا أيضًا دليلًا على أن لحوم الأفاعي تنفع من شرب الأدوية القتالة المهلكة، هذا جملة ما ذكره أندروماخس، ومثل هذا أيضاً، أعني ما حصل بالاتفاق والمصادفة، أنه كان بعض المرضى بالبصرة، وكان قد استسقى ويئس أهله من حياته وداووه بوصفات كثيرة من أدوية الأطباء، فيئسوا منه وقالوا لا حيلة في برئه، فسمع ذلك من أهله، فقال لهم دعوني الآن اتزود من الدنيا وآكل كل ما عن لي ولا تقتلوني بالحمية، فقالوا له كل ما تريد فكان يجلس بباب الدار فمهما جاز اشترى منه وأكل، فمر به رجل يبيع جرادًا مطبوخًا فاشترى منه كثيراً، فلما أكله انسهل بطنه من الماء الأصفر في ثلاثة أيام ما كاد به أن يتلف لإفراطه، ثم أنه عندما انقطع القيام زال كل ما كان في جوفه من المرض، وثابت قوته فبرأ، وخرج يتصرف في حوائجه، فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره، وسأله عن الخبر فعرفه، فقال أن الجراد ليس من طبعه أن يفعل هذا، فدلني على بائع الجراد فدله عليه، فقال له من أين تصطاد هذا الجراد؟ فخرج به إلى المكان، فوجد الجراد في أرض أكثر نباتها المازريون، وهو من دواء الاستسقاء، وإذا دفع إلى مريض منه وزن درهم أسهل إسهالاًذريعًا لا يكاد أن يضبط والعلاج به خطر، ولذلك ما تكاد تصفه الأطباء، فلما وقع الجراد عى هذه الحشيشة، ونضجت في جوفه، ثم طبخ الجراد، ضعف فعلها، وأكل الجراد فعوفي بسببها.
ومثل هذا أيضاً، أي مما حصل من طريق المصادفة والاتفاق، أنه كان بافلوللن من سليلة اسقليبيوس ورم حار في ذراعه، مؤلم ألمًا شديداً، فلما أشفى منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر كان عليه النبات المسمي حي العالم، وأنه وضعها عليه تبردًا به فخف بذلك ألمه، فاستطال وضع يده عليه، وأصبح من غد فعمل مثل ذلك فبرأ برءًا تاماً، فلما رأى الناس سرعة برئه علموا أنه إنما كان بهذا الدواء وهو على ما قيل أول ما عرف من الأدوية، وأشباه هذه الأمثلة التي قد ذكرنا كثيرة.